المدرسة الاتباعية الإحيائية
1/07/2019
أضف تعليق
* المدرسة الاتباعية الإحيائية *
ظهرت مدرسة الإحياء أو الاتباعية أو الكلاسيكية في بداية نهضتنا الأدبية الحديثة، وعُدَّت الأساس الأوَّل لكلِّ المدارس الأدبية اللاحقة، ولولاها لما تحقق للشعر الحديث الأصالة العربية، والقوة والجمال في الأسلوب، ولسار على الاتجاه الجامد الذي كان عليه في آخر العصر العثماني.
ويعدُّ محمود سامي البارودي (1839-1904) رائدَ التجديد في الشعر العربي، وقد سار على نهجه تلامذتُه ومريدوه، أمثال: ولي الدين يكن (1873-1921)، ومعروف الرصافي (1877-1945)، وأحمد شوقي (1886-1932)، وحافظ إبراهيم (1872-1932)، وأحمد مُحرِم (1877-1945)، وشكيب أرسلان (1869-1946)، وغيرهم ممن التزموا اتجاه البارودي في الشعر لفظًا وأسلوبًا، مع بعض التجديد في المعاني والصور والأغراض والأخيلة.
الخصائص الفنية لمدرسة الإحياء:
كان الشعر قبل البارودي يتعثَّر في قيود الصنعة، ويتخبَّط في أثقال الزينة والزخرفة اللفظية، حتى كان البارودي، صاحب «السيف والقلم»، فأقاله من عثرته وأنقذه من تخبُّطه، وشاد على ما كان قد بدأه الشيخ ناصيف اليازجي (1800-1871) بسنوات، فأراد البارودي ومن تبعه من المجددين أمثال إسماعيل صبري (1854-1923) أن يعبروا مسافة التخلُّف الواسعة في عصر الانحسار الأدبي بالارتداد إلى ينابيع الشعر العربي وبخاصة في عصر الازدهار العباسي وأتاح لهم النضج الثقافي الاطلاع على دواوين الشعراء العظام، فانكبُّوا عليها يستوحون أساليبها العربية النقية من التكلُّف والخالية من بهرجة الصناعة، ما أعاد للشعر العربي نبض الحياة من جديد فيما يشبه الإحياء الحقيقي.
وتميزت أساليب مدرسة الإحياء بالبلاغة العربية الأصيلة، والفصاحة في اللفظ، والبعد عن المبالغات في التصوير، وقلة المحسنات البديعية إلاَّ ما جاء منها عفوًا، مع العناية بالمعنى والاهتمام بالفكرة، بعد أن سيطر اللفظ لفترة طويلة مع تفاهة المعنى وضعفه.
أمَّا من حيث الأغراض الشعرية، فقد نظم شعراء المدرسة في شتى الفنون والأغراض القديمة؛ فنظموا في الفخر والمدح والرثاء، ولكنهم لم يكونوا يتَّجهون بهذه الأغراض إلى الأشخاص بذواتهم، ولم يكونوا يحتفلون بالأشخاص ولكن بصنيعهم، ولا يفخرون بالرجال بل بصفاتهم النبيلة وأخلاقهم الفاضلة، وكفاحهم في تحرير الشعوب من الاستبداد والاستعمار.
وقد صوَّر شعرهم الحياة السياسية؛ فأنشدوا الشعر الوطني والأدب القومي الذي ينادي فيه الشاعر بالوحدة والتحرير، وإيقاظ الوعي القومي في الأمَّة، والانتفاع بثرواتها، وبخاصة بعد وقوع الأحداث السياسية الكبرى، كثورة أحمد عُرابي سنة 1881، والحرب العالمية الكبرى سنة 1914، وجهاد سعد زغلول (1859-1927) ومصطفى كامل (1847-1908)، ونهضة الإصلاح الديني والاجتماعي علي أيدي الشيخين جمال الدين الأفغاني (1839-1897) ومحمد عبده (1849-1905).
كما نظموا كذلك في الشعر الاجتماعي، ونادوا إلى إصلاح الأوضاع الاقتصادية والثورة على الظلم الاجتماعي، فصوروا حالة البؤس والشقاء لدى أبناء الطبقة الكادحة، ودعوا إلى القضاء على الفوارق الطبقية بنموٍّ وتدرُّج، ولكن هذا الغرض تجسد أكثر لدى جيل آخر من الشعراء الشباب أمثال حافظ إبراهيم (1872-1932)، وأحمد شوقي (1886-1932)، وتبعهما في ذلك كثير من الشعراء، كعزيز أباضة (1898-1973)، وصلاح عبد الصبور (1931-1981) وغيرهما.
لقد ظل الاتجاه الإحيائي أو الكلاسيكي المحافظ مسيطرًا على الشعراء الذين يعيشون بوجدانهم في التراث العربي القديم. وحتى وإن اتسع شعرهم لتجارب الحياة الحديثة فإنهم كانوا يفضلون أن يصوغوا تجاربهم في إطار عناصر الشكل القديم، فحافظوا على البحور الشعرية المألوفة، والقافية الموحَّدة، وتعدَّدت الموضوعات في القصيدة الواحدة، وظلت وحدة البيت مسيطرة، وكذلك المعجم الشعري القديم بتراكيبه وصوره، فمنهم من أسرف في تقليد القديم حتى كان يستهل ببكاء الأطلال، وبالمقابل فمنهم من مال إلى التجديد والبحث عن موضوعات مبتكرة.
قال أحمد حسن الزيات اعترافًا بمكانة البارودي: «إن كان لامرئ القيس فضلٌ في تمهيد الشعر وتقصيده، ولبشَّار في ترقيقه وتجويده، فللبارودي كلُّ الفضل في إحيائه وتجديده».
تلخيص: مقومات مدرسة الإحياء وخصائصها الفنية:
1 – العودة إلى الموروث الشعري العربي القديم، ولاسيما في عصور القوة والأصالة والجزالة، ممثلة في الشعر الجاهلي، الإسلامي، الأموي، العباسي.
2 - إحياء التقاليد الشعرية، ولاسيما الطرق البلاغية من تشبيه واستعارة وكناية، وبناء القصيدة.
3 - اعتماد الشعراء الإحيائيين على التراث الشعري الذي وصلهم في صياغة أساليبهم ورسم صورهم وإبراز أفكارهم عبر عنصر المحاكاة بتقليد ومعارضة كثير من قصائدهم.
4 - محافظتها التامَّة على الوحدة العضوية في البيت والوزن والقافية، وإغفالها الوحدة الموضوعية.
5 - عنايتها الواضحة في مجال التعبير بالجزالة والمتانة والصحة اللغوية.
6 - عنايتها في مجال المضمون بالرؤية الإصلاحية الاجتماعية والسياسية إلى جانب المجال الأدبي الوجداني بأغراضه المتعددة.
0 الرد على "المدرسة الاتباعية الإحيائية"
إرسال تعليق