عوامل النهضة الأدبية الحديثة وآثارها
1/07/2019
أضف تعليق
عوامل النهضة الأدبية الحديثة وآثارها
لقد كان رُقيُّ الأدب في العصر الحديث نتيجة طبيعية للرقي السياسي والاجتماعي، والعمق في الحياة العقلية والوجدانية في بداية القرن التاسع عشر، بعد استيقاظ الوعي القومي وانبعاثه الذي تفجَّر عن أساسين كبيرين هما: الاتصال بحضارة الغرب، ومحاولة إحياء التراث العربي الفكري والأدبي، وسنتناول الأساسين بنوع من التفصيل.
أولا: الاتصال بحضارة الغرب:
تعدَّدت أسباب وطرق اتصال العرب بعلوم الغرب وثقافته التي ساهمت في نهضتنا الفكرية والأدبية، نوجزها في النقاط التالية:
1- الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798م: وما احدثته هذه الحملة من تغير في نظم الحكم، وفطنة الشعوب بأهمية مشاركتها في صنع القرار، فاضطر الخديوي إسماعيل (ت:1895م)(حفيد محمد علي باشا) أن يفتح مجلس الشورى في مصر أمام نواب الشعب سنة 1866، فكان المجلس منبرًا حرًّا للخطابة النيابية والتعبير عن رغبات المواطنين وانشغالاتهم.
2- حركة الاستشراق: التي كان لها حدَّان؛ أحدهما خفي مسموم غرضه النيل من الإسلام وتشويه صورته، وآخر ظاهر أفاد إفادة عظمى في الرقي الأدبي، حيث أسهم المستشرقون في تحقيق المخطوطات ونشرها في ليدن (هولندا) وباريس وبرلين، وقدَّموا أبحاثا في اللغة العربية وآدابها، وأفادوا العرب بوسائل البحث العلمية كالفهرسة، والتبويب، والتأكد من الأسانيد ودقة الملاحظة وصحة الحكم ومن أشهر المستشرقين: ”كارل بروكلمان“ صاحب «تاريخ الأدب العربي»، و”ريجيس بلاشير“ و”كليمنت هاوارد“ و”مارجليوث“. والمجري اليهودي ”جولدسيهر“ صاحب كتاب «المذاهب الإسلامية»، والإنجليزي ”توماس أرنولد“ صاحب «الدعوة إلى الإسلام»، والفرنسي ”سلفستر دي ساسي“(ت1838) الذي اهتم بالنحو واللغة العربية، وكان للأديب والمترجم المصري رفاعة رافع الطهطاوي (1839-1897) صلة وثيقه به... وغير هؤلاء من المستشرقين كثيرون.
ومن آثار المستشرقين في النهضة العربية:
*- تأليف دائرة المعارف الإسلامية، ونشرها سنة 1908.
*- تأسيس الجامعات العربية والتدريس فيها.
*- تنبيه العرب إلى قيمة تراثهم والمساهمة في حفظه في مكتبات أوروبا العديدة.
3- حركة الترجمة: وهي من أهم الطرق التي أفادتنا بعلوم الغرب، فكان علماء الشام الذين هاجروا إلى مصر من السباقين إليها، أمثال نجيب حدَّاد وأديب إسحق وسليمان البستاني، وغيرهم، فترجموا إلياذة هوميروس، وبعض المسرحيات العالمية كـ”السيد“ لكورناي، و”البخيل“ لمولييـر، و”روميو وجولييت“ لشكسبير، ومن المصريين نجد: رفاعة رافع الطهطاوي (1839-1897)، الذي درس مؤلفات ”فولتير“ و”جان جاك روسو“ والعقد الاجتماعي بالخصوص، كما ألف كتاب ”مواقع الأفلاك في وقائع تليماك“ وهو ترجمة لكتاب العالم فلنون الموسوم بـ”وقائع تليماك“ (Les Aventures de Télémaque).
وكان من أبرز آثار الترجمة على الأدب العربي، ضعف كثير من الأغراض الشعرية القديمة كالمدح الشخصي والهجاء الشخصي، وظهرت فنون جديدة كالشعر القومي، والمسرح، والملاحم الشعرية، كما اتسمت القصائد شيئًا فشيئًا بالوحدة العضوية والعمق في المعنى، والتنوع في الأوزان والقوافي والصور الأدبية.
4- البعثات العلمية: من الدول العربية إلى الخارج، وإيفاد الأساتذة من الغرب ليقوموا بالتدريس في الجامعات المصرية.
ثانيا: محاولات إحياء التراث الفكري والأدبي:
تعدَّدت أسباب وطرق اتصال العرب بعلوم الغرب وثقافته التي ساهمت في نهضتنا الفكرية والأدبية، نوجزها في النقاط التالية:
1- أثر المصلحَين: جمال الدين الأفغاني(1838-1897) ومحمَّد عبده (1849-1905): فبعد هجرة الشيخ جمال الدين الأفغاني إلى مصر سنة 1871، (وكان قد زارها أول مرة في آخر سنة 1869م ومكث فيها أربعين يومًا فقط) التف حوله عدد من الطلاب ومشايخ الأزهر، فكوَّن جيلاً من المفكرين المتنورين الداعين إلى الاجتهاد وتعلُّم العلوم الحديثة كالمنطق والفلسفة والفلك والتاريخ، نذكر منهم الشيخ محمَّد عبده، وقاسم أمين، وسعد زغلول، وأحمد عرابي، ومصطفى كامل، وحسن عبد الرزاق... وكان لصداقة الأفغاني ومحمَّد عبده أثرًا جليلا في النهضة، فقد أسَّسا معًا في باريس جمعية ”العروة الوثقى“ لبث الوعي والدفاع عن الإسلام ومناهضة الاستبداد في الحكم وإقامته على الشورى، وأنشآ ”مجلة العروة الوثقى“ سنة 1885 للمناداة بهذه المبادئ.
2- تأسيس جمعية المعارف: على يد علي باشا مبارك عام 1868، فقامت بطباعة كثير من مخطوطات التراث للجاحظ وأبي نواس وبشار بن برد، وطبعت كتابي الجرجاني ”أسرار البلاغة“ و”دلائل الإعجاز“ وقد عُني الإمام محمد عبدُه بتحقيقهما فكانا من أهم وأوكد المصادر اللغوية والأدبية لطلبة الأزهر.
3- تحديث الجامع الأزهر: حيث التقى طلابه بأساتذة لم يعرفوا الجمود، بل كانوا من الانطلاق الفكري بمثابة الفتيل الذي أوقد السراج، أمثال الأمام محمَّد عبدُه، والشيخ حسين المرصفي، فنبهوا الطلاب إلى سحر العربية وبلاغتها وأدبها، في أسلوب عذب وملكة أصيلة، وذوق عال، ما جلب الطلاب إليهم واستولى على قلوبهم.
4- الجامعة المصرية: حيث نشأت فكرة الجامعة سنة 1908، وسُميت أولا بـ”الجامعة الأهلية“، ودرَّس فيها أساتذة من مصر ومن إنجلترا وبلاد الغرب، حتى أصبحت جامعة رسمية عام 1924، (سميت بعد سنة 1940 جامعة فؤاد الأول، وفي 1953 أصبحت تسمى جامعة القاهرة) فكان لها دور كبير في إحياء التراث وتحقيقه، ويُعدُّ طه حسين من أبرز روادها وعمدائها.
5- ظهور الصحافة: لم تعرف البلاد العربية الصحافة قبل الحملة الفرنسية، وكانت أول صحيفة في مصر هي ”جرنال الخديوي“(1822) وكانت صحيفة حكومية محضة تخدم الدعاية للسلطة الاستعمارية، ثم أصدر محمد علي باشا ”الوقائع المصرية“ سنة (1828)، وإن كانت هي أيضًا مقصورة في بادئ الأمر على الأخبار والتقارير الرسمية، وكانت تصدر باللغة التركية، ولكنها ما لبثت أن تحولت بعد مدة وجيزة إلى صحيفة عربية مهمَّة بعد أن تولَّى رئاسة القسم العربي فيها رفاعة الطهطاوي، وكان نشاطه فيها وجرأته سببًا مباشرًا لنفيه من مصر إلى السودان سنة 1842م.
ثُم أُنشِئت الصحف والمجلات العربية الخالصة كـ”روضة المدارس“ (1870)، ثم ”الأهرام“ سنة 1875، وتوالى صدور الصحف أمثال ”المؤيِّد“ لسان حال الحزب الوطني الذي يرأسه الزعيم مصطفى كامل (ت:1908) و”الأستاذ“ إثر بروز الوعي الثقافي والسياسي خصوصا بعد الحرب العالمية الأولى.
وكان من آثار الصحافة على اللغة والأدب:
*- تعميق الفكر وإيقاظ الوعي القومي والإسلامي.
*- تخليص الأسلوب الأدبي من قيود الصنعة وأثقال الزينة.
*- الإسهام في ازدهار النقد الأدبي والاجتماعي والسياسي.
*- ربط القارئ العربي بأحداث العالم وبتياراته الفكرية الجديدة.
0 الرد على "عوامل النهضة الأدبية الحديثة وآثارها"
إرسال تعليق