معنى الأدب الحديث والأدب المعاصر
1/07/2019
أضف تعليق
معنى الأدب الحديث والأدب المعاصر
كلمة الحديث بمعنى ”الجديد“ كلمة مرنةٌ للغاية، فما يكون حديثًا اليوم يصبح قديمًا في المستقبل القريب، وكذلك كلمة ”المعاصر“ تخضع لنفس هذا الناموس الزمني، ولكننا لو أمعنا النظر نرى أنَّ هناك بونًا شاسعًا بين مدلول الأدب الحديث ومدلول الأدب المعاصر، ولا شكَّ أنَّ الأول أوسع مجالاً وأعمق مدى من الثاني، ونستطيع أن نقول:
كلُّ أدبٍ معاصر يُعتبر أدبًا حديثًا، وليس كلُّ أدب حديث بداخل في مفهوم المعاصرة إلاَّ بقدرٍ محدود.
ولقد اتفق دارسو الأدب ومؤرخوه على أنَّ بداية الأدب الحديث من حيث الزمن تعود إلى حدث تاريخي غير مجرى تاريخ البلدان العربية كلها، ألا وهو دخول الفرنسيين إلى مصر، أو ما يعرف بحملة نابليون بونابرت سنة 1798م الموافق 1213هـ.
فتاريخ الحملة الفرنسية على مصر يعدُّ فيصلاً حقيقيا بين عهدين عظيمين؛ عهد كانت تعيش فيه البلاد العربية في ظل العصور الوسطى، وعهد أشرقت فيه النهضة والحداثة على العالم العربي، وإن كان هذا الفاصل سياسيًّا في جوهره فإنه في الحقيقة أتبع فاصلاً أدبيا واجتماعيا خطيرًا.
وإذا كان أغلب المؤرخين يحددون بداية العصر الحديث بهذا الحدث فإنهم اختلفوا اختلافا بيِّنا في تحديد نهايته، وبالتالي في بداية مفهوم المعاصرة. فإذا كان اعتبار الأدب المعاصر هو الذي أُلِّف في الفترة الزمنية التي نعاصرها، فإنَّ هذا يفتح المجال أمام احتمالات غير منتهية.
إلاَّ أنَّ من الدارسين من اقترح مقياسًا صالحًا لتحديد المعاصرة، قابلاً للتطبيق على حياة الأدب كما على تاريخ التشريع ودراسة السير والتراجم، وهو مفهوم ”الطبقة“، أي اعتبار أنَّ فترة المعاصرة تستغرق عددًا من السنين يساوي في المتوسط عمر الأديب أو العالم بعد شهرته، فإذا كان متوسط عمر الإنسان في هذه العصور المتأخرة هو بين الستين والسبعين، وأنَّ اشتهار الشاعر أو نبوغ العالم عادة ما يكون بعد انقضاء العقدين الأولَين من عمره، فإنَّ ”العمر الفني“ سينحصر في خمسين سنة المتبقية، وهذا الزمن [أي خمسون سنة] كاف لإبراز خصائص معينة في حياة جيل معيَّن من الأدباء أو العلماء الذين تعاصروا في حقبة معينة من الزمن، وكانت لهم انطباعاتهم الخاصة وسماتهم الفنية التي تميزهم عن سابقيهم ولاحقيهم.
المفهوم الزمني والمفهوم الفني:
المفهوم الزمني: يقصد بالمفهوم الزمني للمعاصرة وجودُ مجموعة من الأدباء في الفترة الزمنية التي تمتد من تاريخ اليوم إلى خمسين سنة في الماضي، [1960-2010 مثلا]، وبالتقريب فإننا نعتبر الأدب العربي الذي ألف بعد حركات التحرر من الاستعمار في الوطن العربي (1950-1960) أدبًا معاصرًا، وهو متوسط عمر مدرسة من مدارس الأدب.
أمَّا المفهوم الفني للمعاصرة فمعناه المشاركة الأدبية الفعَّالة بين الأدباء المتعاصرين من حيث تأثُّرهم بأحداث هذا العصر وتأثيرهم فيها، ومن حيث انفعالهم بالتيارات الأدبية السائدة مشرقًا ومغربًا.
ولقد اختلف الدارسون في الأخذ بأحد المفهومين (الزمني أو الفني) وفي تفضيل أحدهما على الآخر في قياس معنى المعاصرة:
فمنهم من يفضلون المقياس الزمني باعتباره مقياسًا طبيعيًا كما بيَّنا آنفًا، ومنهم من يراه مقياسا شكلـيًّا وأنَّ شرط المعاصرة هو المشاركة الفعَّالة في تيارات العصر وأحداثه، فكم من أديب - في نظرهم- يعيش بين ظهرانينا وهو لا يزال قديمًا في أفكاره وأساليبه وفي اختياراته للمواضيع.
ويردُّ من يدافع عن المقياس الزمني بأنَّ المشاركة في الزمن لابدَّ أن يستتبعها مشاركة في التأثر بالأحداث المحيطة، وأنَّ من يقال عنهم أنهم محافظون أو رجعيون في أفكارهم وأساليبهم هم في الواقع معاصرون فنيًّا -أيضًا- وكل ما في الأمر أن درجة تأثرهم بالأحداث والتيارات كانت أقل من الذين نسميهم معاصرين فنيين أو معاصرين حقيقيين. فقضية التأثير والتأثر قضية نسبية تختلف من أديب لآخر، وتخضع لعوامل كثيرة قد تخرج عن إرادة الأديب نفسه.
ومن ثمَّ فلا وجه للمفاضلة بين المقياسين الزمني والفني في تحديد معنى الحداثة والمعاصرة، فنحن نحتاج للمقياس الزمني لدراسة التطور العام للأدب، ونحتاج للمقياس الفني لدراسة اختلاف الأدباء في تأثرهم بأحداث عصرهم ومدى تفاعلهم مع التيارات الأدبية والفكرية الآتية إليهم من الشرق والغرب. لذلك فإننا سنعمد للمقياس الزمني لدراسة تطور الأدب العربي عبر العصور، ونعمد إلى المقياس الفني حين نقوم بتقسيم الأدباء إلى مدارس وفصائل مختلفة، (كلاسيكيون، رومانسيون، واقعيون، رمزيون). فلا مجال للمفاضلة بين المقياسين، وإنما كلاهما ضروري ويكمِّل أحدهما الآخر.
0 الرد على "معنى الأدب الحديث والأدب المعاصر"
إرسال تعليق