الأدب العربي قبيل النهضة (عصر الأتراك)
1/07/2019
أضف تعليق
الأدب العربي قبيل النهضة (عصر الأتراك)
يفصل هذا العصر الحديث عن العصر العباسي الزاهر عصران تاريخيان تركا بصماتهما على الحياة الأدبية؛ وهما عصر الحكم المملوكي وعصر الحكم العثماني؛ وقد شهد العصر المملوكي بعض التقدم العمراني والتألق في الهندسة، ولكن الحكم العثماني للمشرق العربي أدخل الثقافة العربية في ليل طويل، وجمود فكري وأدبي، وإن كان حال المغرب العربي تحت ظل الحكم العثماني أفضل نسبيَّا من حال المشرق لطبيعة العلاقة القائمة بين الحكام والمحكومين، إلاَّ أنَّ أوضاع الشعوب كانت في الأغلب الأعم متردية ضعيفة، ما أسلمها إلى محنة الاستعمار فتآمرت عليها دول أوروبا تقتسم ما أسمته «تركة الرجل المريض».
وهناك أسباب كثيرة أدَّت إلى انهيار الأمة العربية وسقوطها، نوجز منها:
1- ما اتصف به الحكم العثماني في المشرق من الظلم والجور ومصادرة الأموال.
2- انتشار الفقر والجهل في الدول التابعة للسلطة المركزية العثمانية.
3- شيوع عدم الثقة وخوف الأتراك من الجنس العربي.
4- قلة اهتمام الأتراك بالثقافة العربية الحقيقة، وإهمالهم للتراث الفكري والأدبي.
5- حشد العلماء والأدباء والمهندسين العرب والأعاجم في عاصمة الحكم التركي، وخلو البلاد العربية من الفكر والأدب والعلم.
6- سوء تسير الأوقاف الإسلامية واعتماد سياسة مركزية مهلهلة.
7- فرض تعلم اللغة التركية على العرب وجعلها لغة التداول في الأمور الرسمية.
ففي الوقت الذي كانت فيه أوروبا تؤسس لحضارتها، وتقطع شوطًا بعيدًا في النهوض الفكري والثقافي والعلمي والأدبي؛ تستيقظ كلَّ يوم على وقع الاكتشافات العلمية، وتنام على صوت المحاورات الأدبية المحتدمة... كانت البلاد العربية تعيش منطوية منزوية متأثرة بجروح الحروب الصليبية، تنام في ليل طويل شديد الظلمات.
وإذا كانت هذه هي حال البلاد العربية بشكل عام فإنَّ حال الأدب يعدُّ تصويرًا حقيقيًا للواقع، فقد شهد ضعفًا ملموسا؛ فقلَّ تشجيع الملوك والسلاطين الأعاجم للشعراء، وانشغل الأدباء بأمور الحياة الصعبة؛ فكان بينهم الجزَّار والدهَّان والحدَّاد، وقلَّت دواعي اللهو في جوِّ الاضطراب السياسي وصرامة العيش، ولقد تجلَّى ضعف الأدب في كثير من المظاهر، نوجز بعضها في النقاط الآتية:
1- الإغراق في التصنُّع والتكلُّف.
2- ضعف اللغة العربية وابتذالها، حتى غدت سوقية في كثير من الأشعار.
3- انتشار الأخطاء اللغوية والنحوية.
4- شيوع العامية، وتسرُّب الكثير من الألفاظ التركية؛ خاصة ما تعلق بالألقاب، وألفاظ التفخيم والتشريف.
5- شيوع الأزجال الشعبية والأحاجي النحوية والألاعيب اللفظية والعددية.
6- اختفاء شخصية الأديب وتبلُّد شعوره وانحطاط ذوقه.
7- ضَعف الخيال وجفاف الصورة الأدبية.
8- ضعف كثير من الأغراض كالغزل والفخر والحماسة، وشيوع المدائح الدينية وشعر التصوُّف.
9- كثرة التشطيـر والتخميس، والاقتباس والتضمين، حتى قال بعضهم:
أُطالعُ كلَّ ديــوانٍ أراهُ ولم أزجُرْ عن التضمِين طَيرِي
أُضمِّن كُلَّ بيتٍ فيه معنى فشعرِي نصفُهُ من شعر غَيري
10- الاهتمام باللفظ دون المعنى، والعناية بالزخرفة وإثقال التعابيـر بالسجع والبديع. فمن المراسلات الديوانية نجد هذا النص لـمُحيي الدين بن عبد الله الظاهر، وهو من أشهر كتاب عصره يقول: «حرس الله نعمة مولاي، ولا زال كلمُ السَّعدِ من اسمه وفعلِه وحرفِ قلمه، ومُنادى جوده لا يُرخَّم، وأحمدُ عيشه لا ينصرف، ولا عدم مستَوصلُ الرزق من براعته التي لا تَقِفُ الوصل، (...) وما خاطبت الأيامُ مُلتمَسَه إلاَّ بلام التوكيد، ولا عدوَّه إلاَّ بلام الجحود...».
هذه هي حال الأدب في آخر العصر العثماني وهذه هي أبرز خصائصه، ثم يأتي بعد ذلك العصر الحديث ليُسهم بقوة - لأسباب كثيرة - في نهضة الأمة العربية وصحوتها الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية والعلمية والأدبية.
0 الرد على "الأدب العربي قبيل النهضة (عصر الأتراك)"
إرسال تعليق