-->

ناصيف اليازجي

ناصيف اليازجي

(1800 -1871)
  (زعيم المقلدين)

حياته: 
هو ناصيف بن عبد الله بن جنبلاط بن سعد اليازجي اللبنانيُّ المولد الحمصيُّ الأصل. و«اليازجي» لقبٌ لحق اسم جده، ومعناه «الكاتبُ» بالتركية. ولد في قرية (كفر شيما) من قرى الساحل اللبناني في 25 مارس سنة 1800م. هو من ”حديقة“ اليازجي التي أينعت كثير من أزهارها في الفكر والأدب. فهو والد كلٍّ من الأديب إبراهيم اليازجي (1847-1906) والشاعرة وردة اليازجي (1838-1924 التي تقول عن هذه ”الحديقة“ الأدبية:
حديقةُ الوردِ قد هبَّت نسَائِمُها في كُلِّ قُطرٍ كعَرْفِ الصَّنْدَل الرَّطِبِ
قد أنشأَتْها فتاةٌ بالذَّكَا اشتَهَرت باكورةُ العصرِ بين العُجْمِ والعَرَبِ
فقَال فيها لِسَانُ الحالِ لاَ عَجَبٌ يَا أختَ خَيرِ أخٍ، يَا بِنتَ خَيرِ أَبِ
أخذ ناصيف اليازجي مبادئ القراءة عن راهب، ثم راح يطالع وينقِّب حتى حصل علمًا واسعًا في اللغة والأدب نحوا وصرفا وبلاغة وبيانًا، فنظم الشعر حديثًا وهو ابن عشر سنين.
    لما بلغ السادسة عشر (1816م)، داع صيته واشتهر بأدبه وتيقُّظِ فكرِه وجمالِ خَطِّه، فدعاه البطريرك اغناطيوس إلى ديره كاتبًا له، فمكث هناك سنتيـن.
ثم اتصل بأمير لبنان آنذاك (بشير الشهابي) سنة (1818م) فكان من كُـتَّاب ديوانه. أكثر من مدحه ونال حظوة عالية لديه، ولازمه نحو اثنتي عشرة سنة.
وبعد نفي الأمير الشهابي من لبنان سنة 1840 ترك اليازجي حياة الأمراء والملوك وقضى بقية حياته في بيروت ينظم ويؤلِّف،  ويدرِّس في «المدرسة الوطنية» التي فتحها بطرس البستاني سنة 1863، وفي هذه الفترة أسهم مع الآباء اليسوعيين في أول ترجمة عربية للإنجيل في العصر الحديث. 
ولقد اشتغل مدرِّسًا في «الجامعة الأمريكية» في بيروت والتي كانت تدعى آنذاك «الكلية الإنجيلية»، وصنف حينذاك مجموعة من المؤلفات اللغوية التعليمية التي تعدُّ بعثًا للغة العربية الفصحى‌ في العصر الحديث.
كان اليازجي واسع الاطلاع، دمث الطبع، قوي الذاكرة، كثير النكتة والنادرة، قيل إنه حفظ القرآن آية بآية، فلقب بـ(المسيحي حافظ القرآن). كما حفظ شعر المتنبي بيتًا بيتًا. وقيل إنه لم يسمع بيتًا من الشعر إلاَّ عرف قائلَه وربما ذكر السبب الذي قيل فيه. وقد وعى في صدره أيام العرب وكثيرًا من أشعارها ونوادر أخبارها. ومن غريب ذاكرته: أنه كان إذا نظم الشعر لا يكتبه بيتًا بيتًا بل كان ينظم القصيدة في ذاكرته ثم يكتبها، وقلما طالع كتابًا، واحتاج إلى مطالعته مرة ثانية.
أصيب بالفالج سنة 1869، وتأثر بوفاة ابنه البكر (حبيب) وهو في أوج شبابه، فلم يلبث بعده سوى أربعين يوما، وتوفي في الثامن من فبراير سنة 1871. لُقِّب بالشيخ تقديرًا لمنزلته فلزم أبناءَه هذا اللقب.
آثاره: للشيخ اليازجي آثار كثيرة في النحو والصرف والبيان والمنطق والطب والشعر، وأشهرها: «فصل الخطاب في أصول لغة الأعراب» في النحو والصرف، و«مجمع البحرين» وهو يشتمل على ستين مقامة على غرار مقامات الحريري وبديع الزمان الهمذاني. وله ديوان شعر من ثلاث أجزاء: (النبذة الأولى) و (نفحة الريحان) و(ثالث القمرين)، وقد صححه ونشره ولده إبراهيم اليازجي.
شعره: نظم اليازجي الشعر في أغراض كثيرة أهمها: الغزل والمدح والرثاء والحكمة. شعره عمودي، متنوع المشارب موضوعيًا، ينتمي إلى حركة الإحياء التي استوحت العبقرية العباسية نموذجًا، ويتنوع بين المدح، والرثاء، والفخر، والوصف، والمراسلات. ويميل في شعره إلى الحكمة، والنقد الاجتماعي، كما أنه يميل إلى الجناس والفنون البديعية صعبة المرتقى، خاصة في باب المدح، وهو ما أخذه عليه بعض النقاد.
الغزل: غزل اليازجي على نوعين:
*- غزل تقليدي يفتتح به قصائده المدحـيَّة.
*- غزل صريح نظم للتغني بصفات المحبوب. يتسم بالرقة والنعومة والسذاجة والعفاف.
ومثال هذا النوع قوله:
مِن غُنجِ عَينَيكِ أَم مِن لُطْفِ مَعنَاكِ     أيدِي الهوَى أَوقَعَتْ قَلبِـي بَأَشْرَاكِ
يَا ظِبَـيَةً في النَّـقَا تَرعَى الخَزَامَ بِه     لم تَعلَمِـي أَنَّ عَينَ الصَّبِ تَرعَـاكِ
رُوحِي فِدَاكِ، لَقَد أضنَى هَوَاكِ فَتَى     مَا كَان يَدرِي الهوَى وَاللهِ لَـوْلاَك
وَرْدٌ بِـخَدَّيكِ أَمْ هَذَا خِضَابُ دَمِي     فَقَدْ أَرَاقَتْ دَمِي بِالسِّحْرِ عَيـنَاكِ...
المدح: كان للمدح سوق رائجة في عهد اليازجي، وقد مدح كثيرًا ممن عاشر من الأمراء والحكام، فمدح الباشا والوالي والبطريرك والقائمقام والوجيه... ومن نماذج مدحه قوله:
أهديتَ مـمَّا في يديكَ محبةً    فعليَّ أنْ أُهديكَ مـمَّا في فَمِي
أُهدِيكَ حمدَ الشاكرينَ فإنَّهم   قد قابلوا بالحمدِ جُودَ الـمُنعِمِ
وإذا عَـدَلتُ هديَّةً بِـهديَّةٍ   ما زال حُكمُ الفضلِ للمُتقَدِّمِ
مدحه تقليدي في مجمله، يجاري فيه مدح المتنبي والبحتري، ولكن إكثاره من مدح الأشخاص حدَّ من مجال تفكيره وخياله وانطلاقه فأسفَّ بهذا الغرض وانقص من قيمته.
الحكمة: للشيخ اليازجي كثير من الأشعار الحكمية، التي كان يعمد فيها إلى الأقوال المأثورة والأمثال وما يعرض له من الخواطر التي اختبر من خلالها الحياة واختبرته، فكانت أشعاره الحكمية رقيقة خفيفة تنساب في انسجام، ومن هذه الأشعار قصيدته المشهورة في الحِكَمة:
دَعْ يومَ أمسِ وخُذْ في شأنِ يومِ غَدِ

وأعدِدْ لِنفسِك فيهَ أفضَلَ العُدَدِ

واقنَعْ بما قَسَمَ اللهُ الكريمُ ولا
تَبسُطْ يَديَكَ لنَيلِ الرِّزقِ من أحَدِ

والبَسْ لكُلِّ زمانٍ بُرْدةً حَضَرَتْ
حتى تُحاكَ لك الأُخرى من البُرَدِ

ودُرْ مَعَ الدَّهرِ وانظُرْ في عَواقبِهِ
حِذارِ أن تُبتَلى عَيناكَ بالرَّمَدِ

مَتَى تَرَ الكلبَ في أيَّامِ دَوْلتِهِ
فاجَعلْ لرِجْليكَ أطواقاً من الزَرَدِ

واعلمْ بأنَّ عليكَ العارَ تَلْبَسُهُ
من عَضَّةِ الكلبِ لا من عضَّةِ الأسَدِ

لا تأمُلِ الخيرَ من ذي نعمةٍ حَدَثَتْ
فَهْوَ الحريصُ على أثوابهِ الجُدُدِ

واحرِصْ على الدُرِّ أَنْ تُعطِي قلائدَهُ
مَن لا يُميِّزُ بينَ الدُرِّ والبَرَدِ

أعدَى العُداةِ صَديقٌ في الرَّخاءِ فإن
طَلَبْتَهُ في أوانِ الضِّيقِ لم تَجِدِ

وأوثَقُ العهدِ ما بينَ الصِّحابِ لِمَنْ
عاقَدتَ قلباً بقلبٍ لا يَداً بيَدِ

منَ الرِّجالِ رجالٌ عَدُّهـم عَبَثٌ
وواحدٌ قد كَفَى عن كَثْرةِ العَدَدِ

(...) مَحَضْتُك النُّصحَ عن خُبرٍ وتجرِبةٍ
واللهُ سُبحانَهُ الهادي إلى الرَشَدِ

(...)كلُّ الملابِسِ تَبلَى مثلَ لابِسِها
ومَلبَسُ الشِّعرِ لا يبلى إلى الأبدِ

وأفضَلُ المدحِ ما وازَنْتَ صاحبَهُ
وزْنَ العَروض فلم تُنْقِص ولم تَزِدِ

اليازجي رائد المقلدين:
لقد انحصرت ثقافة اليازجي في حدود العربية وآدابها، وكان محدود الآفاق في بيئته لا يعرف من البلدان سوى بعض الضواحي اللبنانية التي انسلخ عنها ليعيش في بيئة وهمية نسجها من تقاليد الشعراء والكتاب العرب الأقدمين. كتب (مارون عبُّود) سنة 1946 قائلا:
«كان شيخنا، رحمه الله، يستوحي الكتب القديمة لا يستلهم غيرها، فهو في كلِّ ما نظم وما كتب زعيم المقلِّدين في عصره، لا ينازعُه هذه الزعامةَ أحدٌ؛ فكأني به ذاتٌ مجرَّدةٌ عن المكان والزمان، فما علق شعرُه بشيء منها. فمن لا يعرف أنَّه نشأ (بكفرشيما) وشبَّ، واكتهل في (بِـتْدِينْ)، وشاخ في (بيروت)، خالَهُ من مواليد نجدٍ أو اليمن. وحسبُك برهانًا على هذا الزعم أنَّه كتب في ”مجمع البحرين“ مقامة سمَّاها ”المقامة اللبنانية“ وليس فيها شيء من ”ريحة“ لبنان».
[بتدين: (Bet) (Dina) (كلمة سريانية بمعنى محل القضاء) مدينة في لبنان] 

اشترك في آخر تحديثات المقالات عبر البريد الإلكتروني:

0 الرد على "ناصيف اليازجي"

إعلان أسفل عنوان المشاركة

إعلان وسط المشاركات 1

إعلان وسط المشاركات اسفل قليلا 2

إعلان أسفل المشاركات